السبت، 13 أكتوبر 2012

مما قرأت محال .... يوسف زيدان



محال ..... كذلك الحياة كلما تقدم بنا العمر تذهب الي المحال من تحقيق الاهداف و الاحلام وايضا يستجد ماهو أكثر حداثة بالتالي تستجد مطالبنا من الحديث و هكذا.... اما هنا فاصابت الرواية هدفها من اسمها انه محال .... و دائرة في دوائر من المحالات العديدة.

الرواية كعادة يوسف زيدان الترحال بين المدن و شرح اصول كلمات المزارات و الاشارات حول تاريخها و لو بشكل مبسط فانتقلنا من اسوان الي الاقصر ثم الاسكندرية الي الخرطوم و ام درمان الي دبي و الشارقة الي ازبكستان و قطر الي افغانستان الي نقطة النهاية التي وقفنا عندها من قندهار .

رواية واقعية الي حد كبير .... لم تعلقنا بالأمل و لكنها حفزت طموحنا الي مستقبل جديد نحركه بأيدينا و ليس تحمكمنا به ظروفنا
بالطبع اضافت لي الرواية الكثير من الرؤى الجديدة في الحياة و كذلك في الجغرافيا في مناطق جديدة لم ازرتها و الترحال هو اشد ما تميز به روايات يوسف زيدان الا ان اشد سقطات في وجهة نظري هي قصة نورا مع بطل الرواية حيث انها ظهرت بشكل نمطي كالمعتاد من قصص الحب التي تبدأ بنظرة و هلم جرا حتى معالجتها للخروج منها جاءت اعتيادية و هو مالم أتوقعه في كتابات يوسف زيدان

ومازالت عزازيل تحتل مرتبة الصدارة في هذا السباق و لعلها لعنة ستظل تلاحق كاتبنا المفكر يوسف زيدان.

الاثنين، 3 سبتمبر 2012

عرض عن رواية زقاق المدق

 فى ظل الاجواء الشعبية بين شوارع الازهر والصنادقية والموسكى، حيث خلق الاحداث فى احد الازقة فنشاهد فئة اخرى من البشرتتفاعل مع الحياة بفكر الفطرة و السليقة المنبثق من البيئة الشعبية  بزخم كثيف من الشخصيات الانسانية بتناقضاتها الظاهرية والباطنية قد احتار فى اختيار الشخصية المحورية للاحداث،  لان الكاتب نجيب محفوظ جعل جميع شخصيات الرواية فى تساوى من حيث التركيب  والتصاعد السردى، الا ان مشهد النهاية حسم محورية الاحداث لتجعل من  حميدة هى محور الاحداث  وذلك  لتدرج الشخصية من  البراءة الى النضوج ثم الانزلاق الى الانحداروالتدهور.

من خلال التسلسل السردى لشخصية حميدة نجد ان صفاتها الاساسية تشى بان بذرة خلقها تتجه نحو تكوينها كعاهرة ،بدءا من تفاخرها بجمالها وتطلعها للثراء وطموحها الى البذخ المظهرى، وقد تتناقض ايضا مع اوكتافيا فى عزازيل التى رغم وثنيتها وايمانها بالحبيب الا ان مبادئها اعز عليها من حبيب ينتمى الى دين متعصب تبغضه، وكذلك تختلف عن سارة فى رواية العقاد المثقفة التى لديها اهواء جامحة ولكنها تبحث عن الحب لتروى به تعطشها العاطفى ولم تتخذ من الدعارة هدفا لارضاء رغباتها. 
 
بالعودة  الى حميدة  يأتى حبيبهاعباس الحلوعلى توازى معها فى محور الاحداث وهو وديع مثل النهر فى هدوء سريانه ورقة مشاعره وصدقه فى تلبية رغبات حبيبته لكسب قلبها لا ان نظراته الوديعة لا تغرى حميدة للثبات على انتظاره وذلك لتركيزها على قوة المال لتسخير احلامها  فى الدنيا التى تعرفها بمنطقها وهنا يأتى دور ابراهيم فرج القواد الذى يسحبها بخلسة تحت مسمى الحب و التعاون والمال نحو عالم الدعارة  فتستسلم راضية دون محاولة الفكاك  لتضحى بكل شىء فى سبيل الحياة وتلقى فى النهاية مصيرها المفجع بين احضان الجنود الانجليز وقتل عباس الحلو المحب المخلص بايديهم وبتلك النهاية الحزينة يرتسم الحزن فى الزقاق والحيرة من سوء نهاية الشاب الوديع  
 
الا ان من ادهش الشخصيات زيطة صانع العاهات للشحاذين والمعلم كرشة مدمن الحشيش الذى سلب ارادته فاستسلم لشهواته وشذوذه والسيد سليم علوان تاجر وكالة العطارة متأرجح بين عمله ورغباته ومن خلاله نتطلع الى كنه الحياة بين الصحة والمرض والرضا والسخط والشخصيات النسائية ام حميدة تمثل الحياة برتابتها و سنية عفيفى صدى للمرأة التى تمتلك المال ترغب بالاقتران بالرجل وحسنية الفرانة المتسلطة التى تسدد الركلات واللطمات لزوجها .
  
ومن اروع الشخصيات التى خلقت توازنا فى النسيج الروائى فى ظل الشخصيات الرواية التى تؤمن بالحياة والاخذ بمظاهرها السيد رضوان الحسينى الذى يمثل صوت الحكمة بايمانه بقضاء الله وقدره وغرسه لقيم مجردة روحية كالخير والحب والجود دون مقابل  ورحيله للحج توبة عن تقاعده فى سبيل حماية مجتمعه من تدهور الاخلاق الذى انجرفت نحوه حميدة و زيطة الذى هوى نتيجة جوعه فاتجه لسرقة اعضاء جثث الموتى. 
 
وتمثل لنا هذة الرواية مصر سواء باحيائها الشعبية او تصويرها لاحداث الشعب المصري بماسيه سواء على الجانب الانسانى او الجانب المجتمعى ليشرح من خلالها بعض ثغرات الضعف المجتمعى الذى ممكن ان يقود الى التدهور و الضياع.

الأحد، 15 يوليو 2012

خواطري حول رواية تراب الماس




في مجتمع استباح كل شيىء و يؤمن بنقيضه.... فاستباح قبول الرشاوي باسم المجاملات
و استباح الشحاتة باسم الصدقات و استباح الفهلوة باسم الذكاء في مجتمع ترتدي فيه الاقنعة المزيفة و تختفي ورائها مجبراً في نمط نستهويه باسم الاعراف و البرستيج لنتجه لنمط اجتماعي رغبة منا في ايجاد اجلالاً و تعظيماً لنا.
في مجتمع تعمقت جذوره في منظومة انتهاك ضد الفطرة و الموائمة ينطوي تحتها كل تائه رغبة في راحة البال.
في مجتمع يتظاهر بشعارات جوفاء يصدح بها بدءاً من تعليم أبتدائي الي ثانوي و ما ان يخرج الفرد الي هذا المجتمع فيصطدم بما هو ضد كل ما عرفه و تعلمه.

طبيعي جدا في هذا المجتمع الذي يجد فيه أصحاب الفضائل أنفسهم في موقف المشاهدة و قلة الحيلة ماذا يفعلون غير استباحة فعل غلطات صغيرة لتصحيح غلطات أكبر و لكنها قطعاً تودي بهم الى بوار نفوسهم التي استحلت الغلط و أباحته.

الرواية لامست جروح تصرخ بداخل هذا الجيل الذي جاء في منتصف السبعينات و كان نتيجة يأس جيل من عاصر صعود العسكر بدون وجه حق الي السلطة و انفتاح و صعود الطبقات الطفيلية الى واجهة المجتمع بايدي رجال الأعمال اصحاب المنافع الذين تزاوجوا من السلطة.... و كانت حلقة النهاية أيضا مفاجأة ليزيح البطل كل الماضي من حياته ليعيش بثوب و هيئة جديدة لم يكن يألفها لينسجم نفساً و روحا و نمطاً مع واقع يجي أن يجاريه.

اعتقد ان تراب الماس تدق انذارات متعددة في زمن يأس منه الجميع من حاضره ، اعتقد انها محاولة من الكاتب ان يكتشف كل منا ذاته و يقوم بواجبه و دوره بأمانة و حنكة و ذكاء ليهدأ أنين ضمائرنا.



الثلاثاء، 29 مايو 2012

اللاقرار

هل فعلا احساس الألم و الضياع يخلق هذة الكلمات ....في رسالتي هذة أعيش تلك الحالة و أتسائل هل تعيشونها معي ؟

أيها السائرون إلي حيث لا تعلمون
إلي أين أنتم ذاهبون و تجرجرونني خلفكم
تمهلوا أيها السائرون
هل تعبثون بي
هل تتيقنون إلي أين يوصلنا الطريق
أنه ليس مستقبلكم بمنأى عني فإنني أشارككم فيه
فهل وضعتموني في حسبانكم أم أنكم تتجاهلون
سحقاً لديمقراطية تضع الجاهلون في مصاف المؤيدين
تتصايحون و تعلوا أصواتكم بأنها ديمقراطية
فهل خلقت الديمقراطية لتبيعون أغلى ما تمتلكون لسد عوزكم و فقركم
سحقاً اذا باع كل واحد فيكم ضميره و خان أمانة قراره حفظا لماء وجه
أتعلمون أنكم تتحملون ذنبي و ذنب شركائي
في ضياع أيامنا المؤجلة وأحلامنا القادمة
و ماذا أنتم فاعلون ....
أمازلتم بعد كل ما قيل تعبثون و تركضون لتأييد قاتلنا و قاتلكم....؟؟!!!

الأحد، 13 مايو 2012



السجاد الأخضر - من مذاكراتي في المدينة المنورة

كلما انتويت الدخول الي الروضة الشريفة يطل عليَ خاطر السجاد الأخضر..... الذي يجب ان أطئه بقدمي لدخول هذا المكان المقدس..... هذا السجاد هو الفارق المكاني بين الدنيا و الطريق الي الجنة ... قد يتسائل البعض كيف ذلك ؟
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة، ومنبري على حوضي).
قال ابن عبد البر في التمهيد ج2/ص287:
"فقال قوم: معناه أن البقعة ترفع يوم القيامة فتجعل روضة في الجنة. وقال آخرون: هذا على المجاز.
قال أبو عمر: كأنهم يعنون أنه لما كان جلوسه وجلوس الناس إليه، يتعلمون القرآن والإيمان والدين هناك، شبّه ذلك الموضع بالروضة؛ لكرم ما يجتنى فيها، وإضافتها إلى الجنة لأنها تقود إلى الجنة.

انا الآن استعد لدخولي الروضة الشريفة كالعادة الازدحام و محاولة التنظيم من قبل مرشدات المسجد النبوي بحيت تقسيم الناس إلي مجموعات حسب كل جنسية فمنها أهل مصر و بلاد الشام و ايران و اذربيجان و باكستان و الهند. فبعد تقسيم المجموعات يتم إلقاء درس آداب زيارة المسجد النبوي و الروضة الشريفة . و انتظار فتح الأبواب الخشبية للإنتقال الي قسم الرجال الذي فيه الروضة الشريفة.... الجميع يجري يلحق بالصفوف الأولى ... و محاولة التهدئة و التنظيم مستمرة من المرشدات و كذلك التأكيد منهم أن العبادة في هذا المكان ثوابها عظيم و ليس هناك عبادة مخصوصة أو دعاء مخصوص و العبادة لله و طلب الشفاعة من الله حتى لا يختلط الأمر لدى البعض لأننا في مسجد النبوي فيها مرقد رسول الله.... فتقول المرشدة قوله صلى الله عليه وسلم لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد مسجدي هذا ومسجد الحرام ومسجد الأقصى.
صلى الله على سيدنا و حبيبنا محمد لا تملك أمام تلك النعمة التي أمامها إلا أن تذكر الله و تكثر الدعاء أن ييسر هذة الزيارة و يكتب لها القبول من رب العالمين.
أنا الآن اقترب من هذة البقعة من الأرض المقدسة تملئني هذة الرجفة التي قلما أشعر بها أكاد أنسى كل شيىء حتى ما يمكن قوله أحترس في دخولي مخافة من إيذاء أحد أو أن يصطدمني أحد ما .... تسألني أحداهن هل نصلي هنا ؟ أردد لها بل انتظري ان تطئي السجاد الأخضر... كلما خطوت للأمام خطوة أنظر بجانبي أرى وجوه الناس تختلف و أجناسهم أيضا تختلف و الكل ينشغل بحاله و مكان وقوفه و شكل صلاته .... أتسائل في نفسي أهكذا سنكون في يوم القيامة؟
الآن أنا على السجاد الأخضر و الازدحام يزيد و التدافع من ناحية اليسار يصطدم بي لمن يود الخروج و من ناحية اليمين لمن يود الدخول و كلما نويت الصلاة يتم دفعي فأخرج عن صلاتي و أتذكر قول المرشدة لا صلاة دون اطمئنان و سكينة فأنتظر ان يهدأ التدافع أو أن أنتظر تقدمي للأمام الي الصفوف الاولى الأكثر هدوءاً. أكتفي بالدعاء حتى أصل للصفوف الأولى .... بالكاد كلما تذكر هذة اللحظة في نظرتي على يمني حيث منبر رسول الله و على يساري قبر رسول الله و أمامي المحراب .... و النفس يملئها الخشوع ... ادعو بما يفيض به لساني و قلبي معاً....انه المدد
الذي أجهل مصدره ... و الفرحة التي قلما أشعرها و لا تشرحها الكلمات .... هذة اللحظة التي أعيشها و أتمنى أن تستغرق عمري بأكمله هي اللحظة بل استزيدها لأجعلها تمضي كلحظات، إنها تعيدني لجذوري وأصل روحي الذي نسيته أو بالأحرى غاص في الطين و التراب حتى نسيته.

الخميس، 12 أبريل 2012

ماذا أكتب


ماذا أكتب ؟؟

شعور جميل انك تكتب و لكن شعور أسوأ منه ان تحتار فيما تكتب ...... ماذا اكتب ؟ هل أكتب عما أعايشه في يومي .... أم ما أفكر فيه .... ام اكتب أحد أسراري ..... لتضحي من سرها الي علنها.

دائما أريد أن أكتب ليتحول سؤالي مندهشا من ماذا أكتب الي لماذا أكتب؟؟ .... و لكن أشد ما يحفزني للكتابة أن يكون هناك شيئ أريد أن أقوله..... أو طرحا أراه فلا يراه سواي أو سرا أرغب ان ألقيه , لأراه  متجسدا أمام عيني .

قد يعيش كل انسان بداخله صخب و خبرات و كلمات ..... وتنمو بداخله وترتكن في ذاكرته فلا يكتبها و لا يهتم بتدوينها و العكس أيضا  قد يكتبها ليحررها من داخله و تظل ذكراها على الاوراق يعود لها كلما استشعر احتياجه اليها.
أعود الى نفسي و أسالها: لماذا أكتب؟؟

أكتب لأني شعرت بنفسي أختلف حينما أمسك القلم  او حينما اضغظ أزرار جهاز الكمبيوتر .... أكتب لأنني لدى كلمات اذا قلتها لا يفهمها من حولي و لكن قلمي يتفهمها ... اكتب لأنني كونت وجه نظر جديدة أريد استعراضها و أدونها .... أكتب لأن التدوين باق الى الأبد و يعيش بعد فنائي و الافكار المدونة تولد أفكارا جديدة اذا تبعثرت و تداولها من يحيطوني .... اكتب لانني أشعر بمتعة أن اختلي و أكتب ... و انسى ما كتبت ويعود لي حنيني الي ماضي لما كتبت فاستعجب أفكاري و تدويني..... و أردد لماذا يحلو في عيني الماضي؟؟

اكتب لانني من بني البشر الذين يعيشون يتأملون و يشاهدون و يفكرون و يتفكرون و يستنبطون مما حولهم  وفي النهاية  حتما ستأتي النهاية .... نهاية عالمي فسيبحث كل  حولي فلن يجدوا ما يعبر عني سوى اوراقي المدونة بتوقيعي .

ملهاة


منذ صغر سني ظننت أن الحياة تختزل فى بيتى الصغير وما يحيط بي من ألعابي و كراساتى و أقلامى و ألوانى
و أن غاية الحياة في توالى الليل و النهار بين ظهور و أفول لتصحو الكائنات و تنام
و لكن الحياة دارت بي مثل ثيران السواقي المغمضة العينين تعى بدايتها المستقيمة و تجهل دورانها منحنيا
و تسائلت هل ستظل الأيام تعدو سريعا لأنمو وأنضج ركضا نحو مصيري
إلى أين تقودنى خفايا الأقدار نحو الفناء المطموس أم المصير المعلوم
إلى متى سينتهى صراعى الأبدى بين الخير و الشر و صراع من حولى بين القوة و الضعف
إلى متى يظل القوى يسيطر و يستعمر و الضعيف يداهن ويبالغ فى الاحتماء و المقاومة
إلى متى سيظل الصغير يكبر و الكبير يهرم
إلى متى ستطول حيرتى
إلى متى سيظل البشر كالدمى فى رواية ملهاة تروى مأساة الوجود

تعليفي لكتاب اللاهوت العربي



عن المؤلف: الدكتور يوسف زيدان باحث ومفكر مصري مواليد سوهاج 1958 متخصص في التراث العربي المخطوط وعلومه. له عديد من المؤلفات والأبحاث العلمية في الفكر الإسلامي والتصوف وتاريخ الطب العربي. وله إسهام أدبي يتمثل في أعمال روائية منشورة رواية ظل الأفعى ورواية عزازيل و مؤخرا رواية النبطى.

بلورة افكار كتاب اللاهوت العربى  للدكتور يوسف زيدان
اللاهوت العربى من الكتب التى حطمت فكر الأوهام التى تعلق فى أذهاننا على أنها بديهيات مفروضة و علينا تقبلها ، و قد أرى أن هذا الكتاب جاء محذرا من أن كتمان و كبت تباحث العلاقات الجدلية الخلافية سيولد إنفجارا عنيفا قد يدمرنا و نفقد السيطرة عليه، وهو ما نحن بصدده الآن من تعقد الوضع الحالى بين قطبى الأمةالمصرية المسيحى و المسلم
نبدأ بوعى الكاتب بفكرة بتناوله فكرة الإمتداد التراثى الواصل بين الأديان الثلاثة و أنها مرحلة تاريخية من تراث مصر لابد من دراستها لأن بدونها لا نسنطيع فهم بقية المراحل.

الديانات الثلاثة واحدة في جوهرها و ظهرت بتجلياتها الكبرى التي تحفل بها كل ديانة فبدأت المسيحية بإعتبارها امتدادا لليهودية، و كذلك القرآن قدمهم على إعتبار أنها ذرية بعضها من بعض و بأن هناك طابع عائلى للنبوة و الأنبياء فالمعبود واحد مع تعدد المذاهب و الفرق فى الديانات الثلاثة.
جاء الاسلام متشبكا مع الواقع المحيط ومرتبطا به فتعرض لتفاصيل الواقع السائد في عبادة الاوثان و فى اليهودية و المسيحية، وشارك فى الأطروحات العقائدية لأنه اليقين الموحى به من رب العالمين و قدم حلولا بأن أعاد بناء التصورات الأساسية للألوهية و النبوة.
 
أطاح الكاتب بأن فكرة ظاهرة علم الكلام جديدة فى الفكر الإسلامى، لكنه عرضها على أنها ممتدة ووليدة الإمتداد المكانى الجغرافى بمنطقة الشام و العراق و لها السبق الزمنى و هى مسألة الصفات الآلهية التى شغلت الأذهان قبل وصول الإسلام، و قد نشأت مع اليهودية و نصوصها ثم اجتهدت المسيحية فى حلها عبر اتجاهات و مذاهب فجاء الإسلام معترفا بالديانتين فتوارثوا علم الاهوت أو الكلام، فهذا يعنى أن بداية هذا العلم كانت عربية ليست إسلامية و كان مدونا باليونانية و السريانية ثم العربية ومن خلال هذا التحليل الذى ابتدعه الكاتب جاء طرح المفهوم الجديد اللاهوت العربى بإعتبار ان الكلام و اللاهوت هما وجهان لعملة واحدة، ، لذلك وجد الكاتب أن يدعو إلى كل من المشتغلين فى اللاهوت المسيحى و علم الكلام الاسلامى أن ينظر كل منهما لعلوم الآخر لإزياد الإستنارة و دراسة الإمتداد التراثى بينهما الذى انبثقت منه مذاهب كلامية.
 
 
المتمعن فى قراءة كتابات الدكتور يوسف زيدان على دراية أنه يكتب بناءا على تجريد الافكار المطروحة و تحليلها تفصيليا ليصل إلى أصلها و منشئها ليضعنا أمام حقيقتها العارية، فلذلك يغوص الكاتب فى كتابه ذو السبع فصول يبدأ ببعض النقاط الاستهلالية لتبيان مدى التواصل بين تراث الديانتين الكبيرتين : المسيحية و الإسلام ويؤكد ان تراث الديانات الثلاثة كما يرى ديانة واحدة ذات تجليات ثلاثة ثم ينتقل إلى جذور الإشكال فى التوراة و يعرض بعدها الحل المسيحى و اختلاف فهم الديانة وجدل الهراطقة شرقا (فلسطين و البلاد المحيطة) وغربا (مصر و اليونان القديمة) ثم الاتجاة إلى الحل القرآنى بإعادة بناء تصوراته وعلم كلام الإسلامى، فالكاتب يخترق الوقائع الظاهرة ليصل إلى بواطنها السحيقة الوعرة، فمن خلال طرحى لعرض كتاب اللاهوت العربى سأكتفى بأن يكون إضاءة خافتة لمضمون الكتاب وأفكاره.
و لأعرض فكر الكاتب وجب عليا اقتباس هذة الفقرة التالية فى أطروحته التى نحن بصددها فقد قال معبرا عن وصف كتابه:
فإن هذا الكتاب وضع بشكل عام للمهتمين بالدين و السياسة، وبشكل أعم للقارىء الواعى المنشغل بارتباط الدين بالعنف و بالسياسة، شريطة أن يكون هذا القارىء غير كسول، وغيرمعتاد على تلقى الإجابات الجاهزة عن الأسئلة النمطية.
 
وكعادة يوسف زيدان يثير القضايا الشائكة بتعمقه داخل اللفظ إلى ما وراء الأحداث و التاريخ، فجاء بوصف سماوية الدين و بأن كل دين يعتبر معتنقوه بأنه سماوى لأنهم يتعالون به عن المحسوسات إلى التسامى السماوى و الأصح أن نقول على الديانات الثلاثة ديانات رسولية أو رسالية.
 
ففى العقيدة التوراتية ظهرت صفات الألوهية ملتصقة بالأرض لا السماء مع أنه ينتمى إلى السماء و أن اللهمخصوص ببنى إسرائيل و اليهود دون غيره من البشر، فالنصوص التوراتية مستهينة بحقوق البشر من غير اليهود و انقلبت منظومة القيم الانسانية و أباح القتل و الزنا و إقتراف المحرمات باسم الرب وظل اليهود قرنين من الزمان فى انتظار الوعد الذى اعطاه الله لأبى الأنبياء إبراهيم (لنسلك يا إبراهيم أعطى هذة الارض من النهر الفرات الى النهر الكبير نهر مصر)، و لايتم الإيمان اليهودى إلا إنطلاقا من هذة الأية التى طالما داعبت خيال اليهود حتى نجح حلم إقامة دولة إسرائيل التى هى أولى بشارات هذا الوعد الإلهى و جعلت اليهودية كتبها أسفار موسى الخمسة المعروفة بالتوراة تحت إسم جامع هو العهد القديم تمييزا عن مجموعة الأناجيل و إعمال الرسل المعروفة باسم العهد الجديد، و قدمت المسيحية حلا بأن يكون وجود الله مع الإنسان فى الأرض ثم رفعته إلى السماء و جاء المسيح للتخلص من اندماج الله مع الانسان و هو بالمفهوم المسيحى الخلاص الإنسانى من الخطيئة الأولى التى اقترفتها آدم وورثها لأبناؤه.
كان يسوع المسيح فى بدء دعواه يقول لم أرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة تأكيد أنه امتداد لليهودية و أنه يعنى بأبناء الرب دون بقية الناس، و كان الخلاف المسيحى حول ماهية المسيح أو طبيعته هل هو بشر نبى جاء بالبشارة أم هو الله بذاته نزل إلى الأرض حينا ثم عاد ثانية إلى السماء، وقد احتدم هذا الصراع و صار بأيدى الناس أناجيل كثيرة إلى أن حسم هذا الصراع فصارالمسيح هو الديانة ذاتها و أصبح معادلا موضوعيا لله و لم تعد المشكلة اليهودية حول صفات الله مطروحة إنما صار الإيمان بالمسيح الذى هو الله و التشكيك فى ألوهيته يعنى الكفر.
من أرض فلسطين بدأ انتشار المسيحية شرقا و غربا فكان الحال فى منطقة الشرق من فلسطين مختلفا عن منطقة الغرب، حيث كانت مصر و اليونان القديمة فقد كان للعقلية الجمعية للمصريين و اليونانيين القدماء حيث الأرض الخضراء و الأنهار المنتظمة الفيضان و الشعور بأن الآلهة قريبة من البشر ثقافة دينية تعترف بأنصاف الآلهة و بالبشر الذين تحدوا الأرباب أو تحدوا معهم فخلدهم الناس و أقاموا لهم المعابد لإظهار التقديس لهم.
إنما العقلية العربية فى منطقة الهلال الخصيب الشام و العراق اختلفت، فهى لاتقبل فكرة الإمتزاج و التداخل بين الآلهة و البشر و تعتقد بوجود كائنات وسيطة بين العالمين الإلهى و البشرى كالجن و العفاريت و الكهان و الملهمين، وهى لعقلية من يعيش بالصحراوات الشاسعة و الأسفار الطويلة و الحروب الداخلية و الدولية و الخوف من المجهول الكامن فى الغيب و على أساس هذة الاختلافات دارت المساجلات حول موضوع واحد يدور جوهره حول المسيح و طبيعته فأدرك الناس أنه لابد من الاختلال و اختلاف العقائد ما بين صيغ الايمان المتعددة، و التقاليد الموروثة و أنهار الدم المتدفقة و نزل القران فى القرن السابع الميلادى.
جاء الاسلام متشبكا مع الواقع المحيط ومرتبطا به فتعرض لتفاصيل الواقع السائد في عبادة الاوثان و فى اليهودية و المسيحية، وشارك فى الأطروحات العقائدية لأنه اليقين الموحى به من رب العالمين و قدم حلولا بأن أعاد بناء التصورات الأساسية للألوهية و النبوة.
فجاءت النبوة إصطفاء إلهى من فرع بشرى عبرانى من أبو الانبياء إبراهيم و إشارت الآيات القرانية إلى إمكان ظهور النبوة فى العرب واختلفت السور القرانية فآدم فى القرآن الإنسان الذى اخطأ وعصى و أدرك خطأه وتاب أمام الله بمعونة من الله و ليس ثمة خطية أزلية ارتكبها آدم وورثها من بعده بنوه لأنهم لم يشهدوا الخلق الأول و لم يعصوا الأمر الآلهى فلا تجوز محاسبتهم.
مريم فى القرآن ليست أم النور الحقيقى، إنما فقد وهبتها أمها لله فارسل لها الله روح القدس أو الروح الأمين فأوصل جبريل النفخة الآهية الخالقة إلى مريم فحملت عيسى، وهكذا أبعد القرآن أى شبهة إتصال مباشر بين الله و الإنسان.
لإن العقلية العربية التى نزل فيها القرآن عملية فقد مدهم القرآن بنظام حياتى و لم يكتف بالنص القرآنى، فتحول الدين إلى راية يحاربون تحتها بغرض تأسيس الدولة ومد حدودها فصارت جزيرة العرب دارا للإسلام و غيرها دارا للحرب، إلى أن تفتح وحين فتحت البلاد المحيطة شهدت المناطق المحيطة تحولات إمتدت خلالها الأفكار و الرؤى التى كانت فى الزمن المسيحى  لاهوتا، ثم صارت تسمى فى الزمن الإسلامى كلاما.
فعلى الأرض ذاتها وأهلها أنفسهم حيث شهدنا نشأة وتطور اللاهوت العربى المسيحى الذى امتداده نشأة وتطور علم الكلام الإسلامى،  كانت الأولى نمط تفكير، وكانت الثانية نمط تفكير ولغة أزاحت السريانية و اليونانية و نطقت بالعربية.
 

جدلية العلاقة بين الدين و العنف و السياسة
يبدأ العنف كطرف ثالث  فى جدلية الدين و السياسة يبدأ بمبادرات من الطرف المستقر النظام السياسى يقابلها المؤمنين بالدين متعلقين بالأبقى و هو الله و الجنة و الرضا الداخلى، و إزاحة متطلبات الدنيا الفانية وهو وسيلتهم لمقاومة العنف الذى يتعرضون له فيواجة الدين العنف السياسى بالاحتمال و الهجرة، وهى تبدو سلبية لكنها ايجابية فى الفعل السياسى و تؤدى المواجهة الدينية للعنف السياسى إلى أمرين: انتشار الدين بين الصالحين من المهمشين و المظلومين و المتمردين و الأمر الثانى الرضا المؤقت للسلطة السياسية باقتناعها بأن الدين هرب من المواجهة و لم يهدد السلطة، و يبدأ الدين يتنامى فى الأرض التى خرج إليها على نحو جديد و عود قوي ليقتلع أتباعه السلطة السياسية القديمة ويعود قويا فيطرح سبلا جديدة لإقتسام السلطة و النفوذ واعدا بجنتين أرضية و سماوية مع إرساء قواعد للتعايش و هنا التقارب بين السياسة و الدين، السياسة متدينة و الدين سياسى ومع هذا لا يخلو أيضا اضطرابات خافتة بينهما و أحيانا حادة وهو ما يحدث فى واقعنا الحالى و لذلك وضع الكاتب بعض الحلول للتعايش السلمى بين الدين و السياسة لتحقيق التوازن بينهما و لتجنب دخول العنف فى اربع نقاط وهى:
الفهم و التفهم 
الفهم و الإعتراف المتبادل بشرعية النظرة السياسية و الرؤية الدينية و تشابكهما ، وهذا لتأكيد الطبيعة المستقلة لكل منهما و تجاورهما، لاستشراف تعايش متناغم بين الدين و السياسة  لا يجوز لإى منهما بازاحة الأخر، و كذلك تفهم أن وأد أى انبثاق سياسى تفر منه موجة دينية وليدة متسلحة بميراث من القهر الدفين فيتضاعف عندها الحقد تجاة المجتمع وتتكون لديها رغبة تدميرية لإزاحة السلطة  فيدور العنف تحت راية وهمية وهى الجهاد وضرورة هذا الفهم للوقاية من ذلك مبكرا.
الإظهار بديلا للإستتار
حين تظهر موجة الجماعات الدينية تضطر إلى الإختباء و التخفى من السلطة السياسية كإظهار تلبية المطالب السياسة أو القيام بأعمال تطوعية أو محاربة أعداء خارجيين، وذلك لتأجيل أى صدام بينهما و الإظهار يعنى المكاشفة بينهما، وهو الإقرار بالتعددية وتنوع التجربة الإنسانية  والتناقض و الحوار العلنى بغية تطور اتجاهات كل من الطرفين وذلك يتم باحترام وتفهم ووضوح. 
الضبط المتوازن
تنظيم حركات الأفراد فى المجتمع سياسيا و دينيا و كلاهما يكمل الآخر و ذلك يقتضى تجنب الغلو و التشدد فى صياغة القوانين و اللوائح لأن الضغط المتشدد يولد التمرد،  وليست الصرامة هى الحل لأن تطرف و تشدد الأطراف فى أفكارهم و تقويضهم للحريات ينتهى إلى الصدام الحتمى بين الأطراف،  لذلك يقترح الكاتب الضبط المتوازن لترك مساحة للحرية الإنسانية  و يؤدى إلى عمليات ضبط ذاتية للأفراد دون ضغط يرتضيها المجتمع و هى أقوى و أعمق أثرا من الضبط المتشدد. 
 التعاون الدولى
تعاون دائم و مستمر بين دول العالم لمحاربة العنف الدينى الارهاب الذى صارت له تجليات عبر الدول و القارات  و لا يمكن بإى حال التعامل معها إلا بالفهم و التفهم و الإستبصار و الضبط المتوازن، لأن العنف فى تعامل مع الارهاب الإسلامى  يولد مزيدا من العنف.
فى النهاية لا يسعنى الا التنويه بأن رواية عزازيل و أحداثها  و ما تتابع بعدها من زوابع كانت سببا لظهور هذا الكتاب ليكون أكثر تفصيلا لعرض أفكار كاتبنا يوسف زيدان، وقد جاء عرضى معبرا عن أفكار الكتاب الرئيسية التى اعتبرها  منطقة حظر يتحاشها الكثيرون خشية الوقوع و التلاشى إلى الأبد أو الإختفاء المجهول، فلذلك لم أتعمق فى تفاصيلها الدقيقة، التى مازالت محل خلاف  لكثير من الطوائف و الملل العقائدية فهى  تحتوى على تفاصيل دقيقة للإجتهادات الهرطوقية تبعا لجغرافية المكان و كذلك اجتهادات علماء الكلام الاسلامى، وقد سمحت لنفسى بتبسيطها و عرضها لأهميتها و ملائمتها لظرفنا الحالى الذى يدعونا جميعا أن نبتعد عن التخندق و التحزب فى اتجاة فكر واحد  فلنقترب من بعضنا بإعتبارنا نجتمع فوق أرضية مشتركة جغرافيا و امتدادها الزمانى متأصل بعروبة المنطقة التى تجمعنا بأحداثها معا. 

قواعد القوة و الضعف

  
حينما اغرق فى افكارى و اجول فى خواطرى  واجد نفسى من هذا الجنس البشرى الذى يسمونه الاثنى  اجد من على شاكلتى قد تحاوطها اسوارا و اسياجا  ودائما تتطلع عبر نافذتها  تبحث عن الحرية خارج نطاق الاسوار  المحيطة فاى حرية تحلم بها
هل هى التطلع عبر نافذتها لتستمتع بالشمس واشعتها حين شروقها وغروبها وتتنفس نسائم الهواء وتحلم بمستقبلها وتخطط له  وثم تنزل من نافذتها الى ارض الواقع لتشارك وتسير كنفس واحدة مع الرجل ام تصارع فى الصحراء القاحلة بمفردها وتنادي بكلمات نحوالحق العدل المساواة دون ان تعلم حقيقة وضعها الذى يعلن بانها تمتلكم حقا 
  
وقد اتسائل هل يعيبها ان اعترفت بكونها الاضعف فما كان وجود القوى الا من أجل الضعيف  وما كانت قوته الا ليتعامل مع ادوات خلق لاجلها  وليتحمل صعابها  ويكون قائما على احتواء هذا الكائن الاضعف
  ان كانت تكره ضعفها فلديها قواعد تنطلق منها قوتها فان تنازلت عن حقوقا مادية لها كالمهر والانفاق  فهذا قوة و عفوا وهبة للرجل  وليس خنوعا وذلا فانها تسمو بنفسها وروحها بعيداعن متع  زائلة ومادية فى زمن خلقت فيه النفوس تبتغى الجشع والطمع
وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً (4) 
فان الله يعوض اضعافا عن ما تنازلت عنه فاقر للمراة  ميراثا محفوظا بحدود مذكورة و الله هو العدل و الحق وهو الذى يقر الحقوق ويهبها بمقدار لعباده لحكمة وما عليهم بنى البشر الا الطاعة فى قوله تعالى:
لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (7)
 
تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خالدين فيها وذلك الفوز العظيم
وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ (14)
 
  وقد يؤهلها ايضا بنيانها ووضعها الى اعمال اخرى لا يستطيع الرجل القوى ان يقوم بها استنادا الى تلك العاطفة الجارفة التى تمتلكها فتستطيع ان تمنح الحب والعطف والعفو وهذا قد يتناقض مع الطرف الاخر الذى يتعامل بهذة العواطف بمفاهيم مبنية على المنطق والعقل  مما يخلق انسجاما وتناغما بينهما  نحو الكمال لينطلقان معا  فى مسيرة الحياة
 فى قوله تعالى : وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (32)
 
ولكن يعيب الرجل ان تعاهد مع رب العالمين على هذا الميثاق الغليظ ثم مال قلبه عنها و تحول من هدوء جريان نبعه الى ثورانه وبطشه وينسى ايام  الود و الرحمة وينجرف الى اعوجاجه فلا ينظر الى الخير الغامر حوله بل ينظر الى استرداد ما وهبه واعطاه من قبل او يجنح الى البطش بالتجافى والافتراء بجبروته  فاين عظمة وسمو هذة النفس البشرية التى وهبها الله القوة و السيادة على الاضعف 
وَإِنْ أَرَدْتُمْ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً (20)وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً (21)
 
الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً (34)
 
  وقد يعانى هذا الجسد البشرى من تقلبات القلب بداخله بين الحب بدءا بسخونته وتوهجه و انطفائه وياتى الرد من رب العالمين فى قوله تعالى:
وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراًكَثِيراً (19  
قاعدة عظيمة  تجيب عن اسئلة تدور فى عقولنا ووجداننا عن سر هذة النفس التى تحب اليوم وتكره غدا مع ذلك ان جاز له التعدد يستحيل العدل من بنى البشر حينما يميل قلبه احيانا  ولا يجوزا ان يجور على حساب احد وان وقعت الفرقة بينهما فالله يغنى كل منهما من سعة فضله وحكمته فى قضائه بين عباده
 
وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتْ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ تَعْمَلُونَ خَبِيراً (128وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً (129) وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلاًّ مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعاً حَكِيماً (130)
 
فما من شىء ابلغ من ان تنبثق من قواعد الضعف قوة نابعة من العاطفة تعلو الماديات وتعادل قواعد القوة التى تجنح الى المنطق والسيادة فتمتزجان معا لخلق توازنا انسانيا يسيران معا نحو مبادىء وقيم تعبر عن عمق مضمون الحق والعدل والمساواة فعليا.
بقلم: نرمين عبدالعزيز    

تعليقي عن رواية سارة

كم من  سطورا تقرأها ترص فيها الكلمات وتنمق ولكن عندما تبحر بأعينك وتجد كلمات توقظ عقلك وتوقد خيالك فتجد فى  نفسك رغبة فى التفتيش وراء تلك الكلمات فيستثيرك تعبيره فتقرر أن ترحل معه فى أعماقه لتستزيد من نبعه ولا تقوى أن تقاوم انسياب كلماته   وهذا ما  ملأ إحساسى عند قرائتى لراوية العقاد الوحيدة سارة.
 
قد تلاعب بنا العقاد بحيلته عندما سرد لنا القصة من آخرها ليعلن قرب نهايتها بتسمية أبطالها بلقب صاحبنا وصاحبتنا ،ثم من منتصفها يضع اسمائهما ثم عاد بنا إلى بدايتها  ليرسم بكلماته خلجات نفس بطل الرواية و تخبطه، بين عنفوان حبه و فتوره  ثم شكوكه و مراقبة حبيبته ثم قطيعته  ثم عودته وتمتعه بألانس حتى يفترقا، ليترجم لنا أسرار النفس البشرية الهائمة بين فضيلتها واثمها وغفلتها.
 
أيضاًاستخدامه لكلمات منمقة بتعبيرات أقل ما يقال عنها الترقى فى اللفظ والوصف ليشعل بخيالنا أنه يحكى عن أنثى ليست بعالمنا بل أنها اقرب إلى حورية من الجنان البعيدة،  ثم ما يلبث أن يقر بأنها طردت من الجنان  لأهوائها الجامحة المفعمة داخلها ثم يعود يفند مزاياها ليقر تشبثه بها، وقد وصف جمالها بأنها جميلة جمالًا لا يختلط بغيره من ملامح النساء فلو عمدت إلى ترتيب ألف امراة هى منهن لنظمتهن فى مراتب الجمال ونحيت سارة عن الصف وحدها، ولونها كلون الشهد الصافى يأخذ محاسن الألوان وعيناها نجلاوان وطفاوان فيهما خطفة الصقر ودعة الحمامة وفمها فم الطفل الرضيع ولها ذقن كطرف الكمثرى.
 
وتأتى أيضا روعة هذة الرواية فى أنها عبرت عن أسلوب وغاية العقاد فى 16فصل منفصلة يصف فيه شكل العلاقة و حوارات التى تدور فيها بينه وبين الشخصيات  وليجعل القارىء ملماً بتفاصيل غاية الأهمية تجعلنا نقر بأنه أحب هذة المرأة وفى نفسه شيىء يمنعه ويبرر عدم اكتمال قصة الحب عبر فصوله  وربما هذة حيلته  فى الرواية لكونه عملاقا يبتدع لونا مختلفا من فنون الأدب.
 
يبقى شخصيات القصة همام وسارة وأمين الذى وكله بمراقبتها وماريانا صاحبة بيت مفروش يسكن فيه صاحبه زاهر وهو المكان الذى قابل فيه سارة  وعرفها لأول مرة وتفاصيل هذا اللقاء من فرحه ونشوة اللقاءات الاولى بينهما ويسرد إلينا خفايا سارة من أنها لا تقوى على حبسها التقاليد وذكائها الوقاد ولو أنها سيقت لرجل يملأ عينها ويحقق معنى الرجولة لاستقرت بعض الاستقرار وقنعت بعض القنوع.
 
ونرى أيضا انبهاره بها باشياء كثيرة من رعايتها بالمواعيد و مرحها بغير تكلف وزينتها التى يبصرها وفكاهتها التى تدركها ولا تتخذ منها معرضا مفتوحا فى كل ساعة.
 
وتدهور هذة العلاقة فقد كان همام قانعاً بالمودة الهنيئة الوادعة فاذا حضرت سره حضورها واذا غابت لم يغضبه غيابها ويتصلان وينفصلان ولا قلق غير أن سارة لم يعجبها هذا الجدول المترقرق المنساب وأبت الا ان تراه شلالا يعج ويثور ويضطرب ويمور فنصبت فيه الحواجز وأقامت فيه الصخور.
 
ويسره أن لايزال واجداً فيها كل حين ميدانا جديدا للاستكشاف ويسره أن يراقب المرأة وهى تستكشفه وتتخذ لها منسربا إلى عواطفه وان المرأة فى استكشافها للرجل كمن يجوس خلال الغابة والرجل فى اسكشافه للمرأه كأنه يجوس خلال الروضة.
 
ويدخلنا عبر روايته لقصة حب همام الأولى لفتاة تدعى هند التى كانت علاقته بها لاتعدو عن نجمين سيارين فى المنظومة الواحدة يحومان فى نطاق واحد ويتجاذبان حول محور واحد يحذران التقارب لأنه اصطدام و بانها شعرت ان النساء تحولن عنده إلى امراة  ذات شان وهى سارة وقامت هند بزيارة قصيرة له كادت تخلو من الكلمات عبرت عنها دمعاتها ويصور لنا همام بانه لم يشعر بتبكيت الضمير لأنه لم يخن هند ولم يقصر فى حقها لانه لاعهد بينها وبينه.
 
ويفند لنا أسباب شكه بأن الخيانة ليست مستحيلةلأنهما يمكن يجدا بديلا يغنيهما عن الحب ورواياتها عن وجود حب ما فى حياتها عبر علاقتين سابقتين و بعض ألفاظ تفوه بها طفلها الصغيروهنا يصحو همام من حلمه وتنهر سارة طفلها ووجد علامات وقرائن تؤخذ عليها بالادانة وكافية للتشكيك فيها وسعى أمين الى مراقبتها ليجدها مع رجل  فى أحد الاماكن و سر همام بنتيجة تعبه من الشكوك والمراقبة.
 
وتأتى نهاية القصة التى معروف خاتمتها من أول بدايتها فى أروع كلمات يبدعها العقاد
 
أليس من الجائز أنها وفت لك فى أيام عشرتها واستحقت وفائك لها وصيانتك إياها وغيرتك عليها؟ أليس من الجائز انها يئست منك فزلت بعد الفراق؟
 
ومما لا يدعو الى الزلل ان أقول أن هذة القصة لونا من فنون الأدب ابتدعها العقاد بطريقة أقرب إلى الأحجية فى السرد  تمتع قرائها بالرقى  وتصلح لأن تكون مرجعا لكل من اراد ان يسبر أغوار النفس البشرية ليبحث عن ماهية الرجل والمرأة فى تحليل كلاهما و ما يعترضهما من حوادث خلال علاقتهما العاطفية. 
لكن يمكن أن يقع زللي في أن أظن، أن بطل الرواية هو نفسه كاتبها وأراد أن يزيح عن قلبه وروحه ضلال هيامه القديم ليهتدى إلى طريق مستقيم،بتوبته عن الحب عقب سارة. 
 
و

تعليقي على كتاب رسالة في الطريق الي ثقافتنا

هل يعقل اننى كنت اعيش فى وهم من خلال رحلتنا فى الحياة عبر كم المتزاحم من  الاوراق التى تحويها كتبنا و صحفنا و كانت حصيلة ثقافتنا فهل هى غفوة تبعد عن صحوة الواقع و  الحقيقة   هل حضارتنا طمست معالمها و ضاعت تحت وطأة السلب و السطو على تراثها ليتم تفريغها من ماضيها العظيم لاستبداله بحاضر دخيل يتم تنقيحه لصالح بيئة اخرى و هذا اكتشافى من قرائتى لكتاب رسالة فى الطريق الى ثقافتنا.
 
الكتاب يحتاج الى تركيز شديد و قدرة على المتابعة بحيث ان اى شرود يضيع منك تسلسل لاحداثة فهو يحوى على تفصيلات دقيقة فاحببت ان اوجزها لاترك لنفسى مجالا للتعبير عن امور قد تركت اثرا فى نفسى
  الكاتب محمود شاكر هنا متمكن من لغته الراقية الرصينة و يركز على التنظير فى تعبيراته و بجانب قدراته التحليلية  بالفاظ ترسم الاحداث فقد بدا الكاتب بتقرير فساد الحياة الادبية وقراره بنزول الميدان و اعداد العدة بالبحث فى الارث القديم واصول الفقه  و العلوم والادب و ليزداد منهجه اتساعا و اكتمالا و تنوعا ووضع شروط جمع المادة و التطبيق بان يتبرأ من الغفلة و الاغفال و التسرع و الهوى  وكذلك يؤتى  حظا من البصر الناقد و الاخلاق عن طريق المعرفة و اللغة والثقافة و الضبط الاخلاقى بعيدا عن الاهواء
   ومنها انتقل لسبب فساد الحياة الادبية التى تسبب فيه الاستشراق و قد لعبت الاهواء الغربية والمصالح دورا لاختراق دارالاسلام و تمزيقه و الظفر بالكنوز و من الاستشراق رسا الاستعمار و رسخت قواعد التبشير
و بدأ بترتيب احداث بدأ الاستشراق و ماسبقها من احداث تاريخية و التى بسببها كان مجىء الحملة الفرنسية حتى وصول الانجليز للحكم و اهداف الغرب التكتيكية و الاستيراتيجية.  
 
كان مخطط الاستشراق اضعاف الشرق و لعب دورا كبيرا فى عملية الاستفراغ الثقافى لاجيال متعددة و بدأ من عهد محمد على وذلك باخضاع العالم المتخلف الى العالم المتحضر باعداد اجيال مبعوثين للخارج ليعودوا للشرق يردوا افكارهم كالبغباوات بالزهو و الاعجاب بأوروبا و مظاهرها و و تم نشر و اتساع فى ذلك بانشاء اجيال من تلاميذ المدارس وتفريغهم من ماضيهم وملئها بتاريخهم و لغاتهم وثقافاتهم وفى ظل ذلك انتعشت الحركة الثقافية والادبية بالسطو على مؤلفات المسرح الاوروبى وميل سافر نحو الجديد الدخيل المحروم من التذوق بثقافتنا.
 
الكتاب يعد دراسة تاريخية و تحليلية موثقة بدلائل  الفساد الذى نعانى منه منذ قرون و  نجهل اسبابة فقد جاء الكتاب معللا تدهور امة كاملة كانت ذات مجد و عزة و تراث يحتذى به.