الخميس، 12 أبريل 2012

تعليقي عن رواية سارة

كم من  سطورا تقرأها ترص فيها الكلمات وتنمق ولكن عندما تبحر بأعينك وتجد كلمات توقظ عقلك وتوقد خيالك فتجد فى  نفسك رغبة فى التفتيش وراء تلك الكلمات فيستثيرك تعبيره فتقرر أن ترحل معه فى أعماقه لتستزيد من نبعه ولا تقوى أن تقاوم انسياب كلماته   وهذا ما  ملأ إحساسى عند قرائتى لراوية العقاد الوحيدة سارة.
 
قد تلاعب بنا العقاد بحيلته عندما سرد لنا القصة من آخرها ليعلن قرب نهايتها بتسمية أبطالها بلقب صاحبنا وصاحبتنا ،ثم من منتصفها يضع اسمائهما ثم عاد بنا إلى بدايتها  ليرسم بكلماته خلجات نفس بطل الرواية و تخبطه، بين عنفوان حبه و فتوره  ثم شكوكه و مراقبة حبيبته ثم قطيعته  ثم عودته وتمتعه بألانس حتى يفترقا، ليترجم لنا أسرار النفس البشرية الهائمة بين فضيلتها واثمها وغفلتها.
 
أيضاًاستخدامه لكلمات منمقة بتعبيرات أقل ما يقال عنها الترقى فى اللفظ والوصف ليشعل بخيالنا أنه يحكى عن أنثى ليست بعالمنا بل أنها اقرب إلى حورية من الجنان البعيدة،  ثم ما يلبث أن يقر بأنها طردت من الجنان  لأهوائها الجامحة المفعمة داخلها ثم يعود يفند مزاياها ليقر تشبثه بها، وقد وصف جمالها بأنها جميلة جمالًا لا يختلط بغيره من ملامح النساء فلو عمدت إلى ترتيب ألف امراة هى منهن لنظمتهن فى مراتب الجمال ونحيت سارة عن الصف وحدها، ولونها كلون الشهد الصافى يأخذ محاسن الألوان وعيناها نجلاوان وطفاوان فيهما خطفة الصقر ودعة الحمامة وفمها فم الطفل الرضيع ولها ذقن كطرف الكمثرى.
 
وتأتى أيضا روعة هذة الرواية فى أنها عبرت عن أسلوب وغاية العقاد فى 16فصل منفصلة يصف فيه شكل العلاقة و حوارات التى تدور فيها بينه وبين الشخصيات  وليجعل القارىء ملماً بتفاصيل غاية الأهمية تجعلنا نقر بأنه أحب هذة المرأة وفى نفسه شيىء يمنعه ويبرر عدم اكتمال قصة الحب عبر فصوله  وربما هذة حيلته  فى الرواية لكونه عملاقا يبتدع لونا مختلفا من فنون الأدب.
 
يبقى شخصيات القصة همام وسارة وأمين الذى وكله بمراقبتها وماريانا صاحبة بيت مفروش يسكن فيه صاحبه زاهر وهو المكان الذى قابل فيه سارة  وعرفها لأول مرة وتفاصيل هذا اللقاء من فرحه ونشوة اللقاءات الاولى بينهما ويسرد إلينا خفايا سارة من أنها لا تقوى على حبسها التقاليد وذكائها الوقاد ولو أنها سيقت لرجل يملأ عينها ويحقق معنى الرجولة لاستقرت بعض الاستقرار وقنعت بعض القنوع.
 
ونرى أيضا انبهاره بها باشياء كثيرة من رعايتها بالمواعيد و مرحها بغير تكلف وزينتها التى يبصرها وفكاهتها التى تدركها ولا تتخذ منها معرضا مفتوحا فى كل ساعة.
 
وتدهور هذة العلاقة فقد كان همام قانعاً بالمودة الهنيئة الوادعة فاذا حضرت سره حضورها واذا غابت لم يغضبه غيابها ويتصلان وينفصلان ولا قلق غير أن سارة لم يعجبها هذا الجدول المترقرق المنساب وأبت الا ان تراه شلالا يعج ويثور ويضطرب ويمور فنصبت فيه الحواجز وأقامت فيه الصخور.
 
ويسره أن لايزال واجداً فيها كل حين ميدانا جديدا للاستكشاف ويسره أن يراقب المرأة وهى تستكشفه وتتخذ لها منسربا إلى عواطفه وان المرأة فى استكشافها للرجل كمن يجوس خلال الغابة والرجل فى اسكشافه للمرأه كأنه يجوس خلال الروضة.
 
ويدخلنا عبر روايته لقصة حب همام الأولى لفتاة تدعى هند التى كانت علاقته بها لاتعدو عن نجمين سيارين فى المنظومة الواحدة يحومان فى نطاق واحد ويتجاذبان حول محور واحد يحذران التقارب لأنه اصطدام و بانها شعرت ان النساء تحولن عنده إلى امراة  ذات شان وهى سارة وقامت هند بزيارة قصيرة له كادت تخلو من الكلمات عبرت عنها دمعاتها ويصور لنا همام بانه لم يشعر بتبكيت الضمير لأنه لم يخن هند ولم يقصر فى حقها لانه لاعهد بينها وبينه.
 
ويفند لنا أسباب شكه بأن الخيانة ليست مستحيلةلأنهما يمكن يجدا بديلا يغنيهما عن الحب ورواياتها عن وجود حب ما فى حياتها عبر علاقتين سابقتين و بعض ألفاظ تفوه بها طفلها الصغيروهنا يصحو همام من حلمه وتنهر سارة طفلها ووجد علامات وقرائن تؤخذ عليها بالادانة وكافية للتشكيك فيها وسعى أمين الى مراقبتها ليجدها مع رجل  فى أحد الاماكن و سر همام بنتيجة تعبه من الشكوك والمراقبة.
 
وتأتى نهاية القصة التى معروف خاتمتها من أول بدايتها فى أروع كلمات يبدعها العقاد
 
أليس من الجائز أنها وفت لك فى أيام عشرتها واستحقت وفائك لها وصيانتك إياها وغيرتك عليها؟ أليس من الجائز انها يئست منك فزلت بعد الفراق؟
 
ومما لا يدعو الى الزلل ان أقول أن هذة القصة لونا من فنون الأدب ابتدعها العقاد بطريقة أقرب إلى الأحجية فى السرد  تمتع قرائها بالرقى  وتصلح لأن تكون مرجعا لكل من اراد ان يسبر أغوار النفس البشرية ليبحث عن ماهية الرجل والمرأة فى تحليل كلاهما و ما يعترضهما من حوادث خلال علاقتهما العاطفية. 
لكن يمكن أن يقع زللي في أن أظن، أن بطل الرواية هو نفسه كاتبها وأراد أن يزيح عن قلبه وروحه ضلال هيامه القديم ليهتدى إلى طريق مستقيم،بتوبته عن الحب عقب سارة. 
 
و

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق