الخميس، 12 أبريل 2012

عرضي لكتاب في الشعر الجاهلي

كتاب: في الشعر الجاهلي
الكاتب: طه حسين
دار النشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب
تاريخ النشر : 1926ميلادية
تقديم: نرمين عبد العزيز

إننا أمام كتاب من الكتب المحظورة التى ما إن ظهرت و نشرت أثارت و انقسم الناس حولها إلى طائفتين، إحداهما أصابها الدهشة و التساؤل و أصبحت تنبش فى  القديم بحثا عن حقيقة مدعمة بدلالات ، و الأخرى استنكرت و رفضت بل تعدت إلى التنكيل بصاحب الكتاب ووصفته بالإدعاء وأحالته للقضاء،  لذلك وجدت رغبة فى نفسي  لقرائته و عرضه لأن أحداثنا الجارية أعادت ذكر الكتاب بمضمونه  الذي حطم أفكارا و تاريخا لينشىء فكرا مغايرا يدعو للتشكيك فى معارفنا و بديهيات أفكارنا، هو موازيا للخلاف الداير على مر الزمان لوجود الفجوة بين الأجيال  ينبثق منها صراع القديم و الجديد من جهة و الأصولية و التغريب من جهة أخرى، مما يجعلنا نتحرى في و نعيد النظر في فكر رفض الأجيال الجديدة لتلك الأفكار القديمة التى تدعو لتقديس كل قديم و كل ما يقوله أصحاب الفكر و الخبرة بشكل بديهى .
قبل أن نغوص في ما يطرحه الكتاب استعرض بعضا من أفكار الكاتب لنصبح أكثر شموليه فى فهم تداعيات نمط  أفكاره و ما يرمي إليه ، طه حسين (15 نوفمبر 1889 - 1973) أديب وناقد مصري، لُقّب بعميد الأدب العربي من أبرز دعاة التنوير في العالم العربي، في حين يراه آخرون رائد من رواد التغريب في العالم العربي.
ولقد أثارت آراءه الكثيرين كما وجهت له العديد من الاتهامات، ولم يبالي طه بهذه المعارضات القوية التي تعرض لها ولكن أستمر في دعوته للتجديد والتحديث، فقام بتقديم العديد من الآراء التي تميزت بالجرأة الشديدة والصراحة فقد أنتقد الطرق التقليدية في تدريس الأدب العربي، وضعف مستوى التدريس في المدارس الحكومية، ومدرسة القضاء وغيرها، كما دعا إلى أهمية توضيح النصوص العربية الأدبية للطلاب، هذا بالإضافة لأهمية إعداد المعلمين الذين يقومون بتدريس اللغة العربية، والأدب ليكونا على قدر كبير من التمكن، والثقافة بالإضافة لاتباع المنهج التجديدي، وعدم التمسك بالشكل التقليدي في التدريس.
من المعارضات الهامة التي واجهها طه حسين في حياته تلك التي كانت عندما قام بنشر كتابه "في الشعر الجاهلي" فقد أثار هذا الكتاب ضجة كبيرة، والكثير من الآراء المعارضة، وهو الأمر الذي توقعه طه حسين، وكان يعلم جيداً ما سوف يحدثه فمما قاله :
أنا مطمئن أن هذا البحث إن أسخط قوما و شق على آخرين:فسيرضى هذة الطائفة القليلة من المستنيرين الذين هم فى حقيقة الأمر عدة المستقبل و قوام النهضة الحديثة و ذخر الأدب الجديد
ومن هنا ننتقل إلى التساؤل سبب اثارة البحث أهناك شعر جاهلى؟ ماهو السبيل إلى معرفته و ماهو ؟ وما مقداره؟
وقد يفاجئنا الكاتب فى شكه فى قيمة الشعر الجاهلي و أن الكثرة مما يسمى شعرا جاهليا ليست من الجاهلية فى شيىء: انماهى منتحلة مختلقة بعد ظهور الإسلام: فهى اسلامية تمثل حياة المسلمين و ميولهم أهوائهم أكثر مما تمثل حياة الجاهليين: أن ما بقى من الشعر الجاهلى الصحيح قليل جدا لا يمثل شيئا و لايدل على شيىء.
و يقول طه حسين فى ذلك:
لا أضعف أن أعلن إليك و إلى غيرك من القراء أن ماتقرؤه على أنه شعر إمرىء القيس أو طرفة أو ابن كلثوم أو عنترة ليس من هؤلاء الناس فى شيىء، انما هو انتحال الرواة أو اختلاف الأعراب أو صيغة النحاة او اختراع المحدثين و المتكلمين.
وقد استعان الكاتب لإخراج هذة النظرية إلى المبحث الفني و اللغوي لأنه رأى من خلال الوجهة اللغوية و الفنية صعوبة أن يكون هؤلاء الشعراء أن يذاع أو ينشر أشعارهم قبل ظهور القرآن.
ومن هنا ندخل إلى منهج البحث الذى اصطنعه الكاتب للبحث عن حقائق لشكوكه و هو المنهج الفلسفى (ديكارت) وهو ينطوي على أن يتجرد الباحث من كل شيىء كان يعلمه من قبل، و أن يستقبل موضوع بحثه خالي الذهن خلوا تاما. بمعنى لا لمؤثرات قومية أو عصبية أو دينية و التحرير بما يتصل بها من أهواء و عواطف.
و وضع قاعدة أخرى وهى أن مرآة الحياة الجاهلية يجب أن تلتمس فى القرآن لا فى الشعر الجاهلى هى قضية غريبة و لكن بديهية  لأن من سمعوا القرآن أعجبوا به حيث تليت آياته و قاوموه و ناهضوه و جادلوا النبى فيه و آمن به بعضهم .
وقد كان جديدا فى أسلوبه و قانونه فيما يدعو إليه، فيها رد على فرق من العرب تمثلهم البلاد العربية نفسها و لولا ذلك لما كانت له قيمة و لاخطر و لما جعل به أحد من الذين عارضوه و أيدوه و ضحوا في سبيل تأييده و معارضته بالمال و الحياة.
فالقرآن أصدق تمثيل للحياة الدينية عند العرب من الشعر الجاهلى فإنه لا يمثل الحياة الدينية وحدها، انما يمثل شيئا آخر غيرها يمثل حياة عقلية قوية و قدرة على الجدال و الخصام و المحاورة و مسائل التى ينفق فيها الفلاسفة دون ان يوفقوا الى حلها.
و  لكن مسألة أن هذا الشعر حمل عليهم بعد الاسلام ، فهو اتهام خطير للشعر الجاهلى و على من حمله بأنه منتحل، فما الأسباب التى حملت الناس على وضع الشعر و إنتحاله بعد الاسلام فيرد طه حسين فى ذلك :
لم تكن الأمة العربية أول من انتحل  فيها الشعر انتحالا وحمل على قدمائها كذبا و زورا، انما انتحل الشعر الأمة اليونانية و الرومانية من قبل و حمل على قدماء من شعرائها، و انخدع به الناس و آمنوا له، و نشأت عن هذا الانخداع و الإيمان  سنة أدبية توارثتها الناس مطئنين إليها حتى كان العصر الحديث و حتى استطاع النقاد أن يردوا الأشياء إلى أصولها ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا.

ينقسم العرب إلى قحطانية منازلهم الأولى اليمن، و عدنانية منازلهم الحجاز فالقحطانية عرب فطروا على العربية (العاربة، أما العدنانية اكتسبوا العربية اكتسابا و كانوايتكلمون العبرانية و الكلدانية ثم تعلموا لغة العرب العاربة وهذة العدنانية يتصل نسبهم باسماعيل بن ابراهيم.
شعراء الجاهلية ينتسبون الى عرب القحطانية العاربة التى تتكلم لغة غير لغة القرآن وهى لغة مخالفة للغة العرب كما يقول عنها أبو عمرو بن العلاء، و لهذا  هذا الشعر الذى يضاف للقحطانية حمل عليهم بعد الاسلام لاسباب.
و الرواة مجمعون على أن قبائل عدنان لم تكن متحدة اللغة و لا متفقة اللهجة قبل ظهور الإسلام و كذلك القرآن عندما تلى بعدد من اللهجات فيه و كثرت آدابه  و تباينت تباينا كثيرا و ذلك لاختلاف لهجات  بين قبائل العرب.
و هنا تسائل يدعو للشك كيف لم تحدث هذة اللهجات المتبينة آثارها فى وزن الشعر و تقطيعه الموسيقى.
ومن سباب الانتحال العصبية العربية التى حملت العرب على ان ينتحوا الشعر و يضيفوه الى عشائرهم فى الجاهلية بعد ان ضاع شعر العشائر.
الشعوبية ينتحلون مافيه ذود عن العرب و رفع لاقدارهم و كذلك مجون الرواة و اسرافهم فى اللهو و العبث و انصرافهم عن أصول الدين و قواعد الأخلاق إلى ما يأباه الدين و تنكره الأخلاق وكذلك يوجد طائفة من الرواة كانوا يتخذون الإنتحال فى الشعر واللغة وسيلة من وسائل الكسب.
فقد لقى الكتاب معارضه كبيرة أضعاف أى نقد له، مما جعله من  أشهر كُتب طه حسين . كما نشرت و كتبت مقالات أخرى لأدباء تدعم بأن هذا الشعر منحول، كذلك جاءت كتبا مثل: كتاب اسمه الشهاب الراصد للأديب المصري محمد لطفي جمعة  لرد على كتاب فى الشعر الجاهلي ، كما قام مصطفى صادق الرافعي بتأليف كتاب سماه تحت راية القرآن للرد على كتاب في الشعر الجاهلي. وقد صنف إبراهيم عوض مؤلفا جمع فيه أقوال النقاد والمؤرخين سماه "معركة الشعر الجاهلي بين الرافعي وطه حسين.
 وتم منع كتا ب طه حسين من البيع لكن عاد نشره مع تعديلات طفيفة و تحت عنوان فى الأدب الجاهلى. و قدم طه حسين  بتهمة اهانة الاسلام بسبب 4 عبارات جاءت في الكتاب لكن القاضي المستنير محمد نور حكم ببرائته و أمر بحفظ اوراق القضيه اداريا و قال ان هذا رأي اكاديمي لا يؤخذ ضده أي اجراء قانوني (لعدم توافر القصد الجنائي).
و من المعارضين كذلك دكتور محمود شاكر و هو كاتب إسلامى أطلع على كتب التراث و حذق العديد منها، و أقام منهجه الخاص فى الشعر سماه منهج التذوق، و خاض معارك أدبية حول أصالة الثقافة العربية و مصادر الشعر الجاهلي.
و كانت صدمته هائلة حين ذكر أستاذه طه حسين بأن الشعر الجاهلي منتحل و كذب وملفق و ابتدعه الرواة فى العصر الاسلامى وضاعف من شدة هذة الصدمة أنه اطلع على ذلك فى مجلة استشراقية فى مقال للمستشرق مرجليوث.
و ذكر دكتور محمود شاكر فى كتابة رسالة فى الطريق إلى ثقافتنا : أن دكتور طه حسين رجع عن أقواله التى قالها فى الشعر الجاهلى و قد صارحه و صارح به آخرين من رجوعه عن هذة الاقوال و لكنه لم يكتب منه شيئا صريحا يتبرأ به مما قال أو كتب.
قد تأتى فكرة هذا البحث و ذكر طه حسين كمجدد فى وسط ساحات النقاشات الدائرة بين القديم و الجديد لتخرجنا من حالة الركود التى عاشها الناس إلى ثورات فى ميادين ضد ظلم حكام و فساد مؤسسات أطاحت بنهضة و حضارة أمم في القمة و اشاعت نور و العلم لحضارات أخرى ، و لكن بإجتهاد طه حسين فى هذا البحث يعلن عن حالة جديدة  وهى الثورة الأدبية  للتشكيك فى كل ما يراه الناس يقينا ليؤدي للعلم حقه ولا يبالى بسخط أو رضا الناس عنها، إنما هو حبا للعلم و البحث و التفكير و سلك طرق لم يألفها الناس و يتحمل ما يتعرض له العلماء من أذى  وسخط ليعطى لنفسه حقها ويؤدي للعلم واجبه .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق