الكتاب : مرتفعات ويذرينج
المؤلفة: إميلي برونتي
دار النشر : الهيئة المصرية العامة للكتاب
عدد الصفحات :367 صفحة
تقديم : نرمين عبد العزيز
أخاف؟ كلا ! أنا لا أخاف الموت ولا آمل فيه و لماذا أخشاه ؟ فبقوتي و طريقة حياتي الصحية يجب أن أبقى على هذة الأرض لآخر شعرة سوداء في رأسي ! إن لدى رغبة واحدة و كياني كله شغوف لتحقيقها ! أنا متأكد بأنهاستحقق و قريبا لأنها أتت على وجودي آه يا الهي إنه صراع طويل أتمنى أن ينتهي!
كلمات على لسان هيثكليف بطل الرواية
مرتفعات ويذرينج رواية المشاعر المتناقضة تجعلك تحب و تمقت تتعاطف و تقسو تتحير في إطلاق أحكامك نحو شخصيات الرواية وقد تجعل المشاعر تنتفض من مكانها على اختلاف المواقف وتأثيرها .
جاءني هاجسا بأن تكون الترجمة بخست من حق الكاتبة إميلي برونتي ولم تأت بمقصد الكاتبة بالفعل ، و قد جاء استنتاجي نتيجة بأن سرد الرواية جاء معتمداً على ظواهر ردود أفعال الشخصيات، فلم تتعمق في وصف دواخل نفسية الشخصيات ولم تلعب الكاتبة دور الرواي بقدر أنها جعلت ردود أفعال اابطالها تتحدث عن نفسها .
هيثكليف هو شخصية المحورية جاء غريباً عن العائلة لتبدأ وتنتهي به الرواية، فتنسج الأحداث حوله بخيوطها و ثم تبدأ بفك العقد و الحبكات أيضا من خلاله، تتلخص الرواية في طفل لقيط يدعى هيثكليف يجلبه رب الأسرة السيد ايرنشو معه من إحدى أسفاره من ليفربول ، فيثير هذا الطفل تعاطف وحنان البعض و قلق البعض الآخر و حنقه ومن هنا يبدأ الاختلاف بين كلا الفريقين.
فمن يحب و يتعاطف مع هيثكليف يعيش الصراع في الوقوف في المنطقة الوسطى كما فعلت كاترين الأولى و الذي يتوجس منه يزيد من غيرته و كراهيته فيظهر قسوته و من هنا يبدأ تكوين شخصية هيثكليف سيكوباتيا فتصرعه رغبة الانتقام تابعة لهوى نفسه المكتظة بكم من الكراهية لمن قسى عليه لجعله في وضع متدن وهي ايضا نفسه و روحه التواقة للحب و العطف الذي افتقده من البعض فمنعه من تحقيق سعادته و راحة باله.
قد يحير خط سير أحداث الرواية بين الواقعية في أحداثها و الصدامية من جهة أخري فنجد قرار كاترين الأولى من موافقتها الزواج من إدجار المنتمي لوسطها الاجتماعي منطقيا من الناحية الشكلية و صادما لانسحابها من دعم من أحبته منذ الصغر و هو هيثكليف، و هذا الحدث قد أثر في قرارات و أفعال هيثكليف الذي بات لآخر لحظة في حياته منتقما يحطم كل من يمت صلة بأدجار و عائلته ، فأخد قرار زواجه بايزابيلا شقيقة إدجار معتمدا علي جذبها اليه بقدرة الحب الأعمى الذي يضمحل و يندثر أمامة منطق التفكير العقلي ليطلق عينها عليه و يعلق قلبها به فتحسم الأمور تبعا لهواها به فقط فيصل هيثكليف الي مأربه لتتكسر مجاديف هذة العائلة أثناء ملاطمتها أمواج الحياة و تتوالي أحداث الرواية
كاتي الثانية هي الشخصية التي بعثت روح الحياة للرواية التي وقفت مقاومة لشخصيات الرواية المهزوزة المتناحرة التي خلقها هيثكليف، من أجل غرضه للإنتقام لهذة العائلة و قد وقفت مقاومة لأهواء هيثكليف التدميرية و قد استقامت بفضلها شخصيات الرواية، و قد تمثل أيضا نموذج المرأة الحلم الذي يبحث عنها الرجل ليس لتؤنسه فقط بل لتصير دليله و تحتويه ليستعيد كينونته الإنسانية من وحشته الضائعة.
الرواية كتبتها إميلي برونتي و هي الرواية الوحيدة قبل وفاتها بعام ، إميلي لم تكن تتميز بطبع اجتماعي ولم تكن سهلة المعاشرة وربما لهذا لم تكن لديها صديقات أبداً، على عكس أختيها، أما عن الحب والرجل فهذا عالم آخر لا تعرفه أو هو ينتمي إلى ألم الحرمان الداخلي؟ كان طبعها شديد التناقض فهي أحياناً حادة, عنيدة، متشبِّثة ومتعصِّبة لآرائها، وفي نفس الوقت كانت شديدة التحمُّل مع أولئك الذين تحبهم ومتفانية في العطاء والإثرة. كانت تضع الواجب فوق كل شيء. فها هي بعد موت خالتها التي قامت بالإشراف على تربية أبناء أختها تغادر بروكسل غير أسفة وتعود إلى بيت أهلها للإشراف على والدها الذي بدأ يفقد بصره بالتدريج، وتشرف على رعاية أخيها الرجل الفاشل الذي أدمن الكحول وبدأ يتعلق بالأفيون، بالإضافة إلى إصابته بداء السِّل .. تقوم بكل هذا بإخلاص وتفان، وهي ستقف بجانب أخيها في لحظاته الأخيرة وتساعده على النهوض من الفراش لأنه أراد أن يلقى موته واقفا على قدميه.
و جاء رأى النقاد في الرواية متخبط بين إنتمائها إلى الاتجاه الرومانتيكي أم الواقعي؟فهذه الرواية لا تنسجم تماماً مع أي منهما, وقد يكون الأقرب للواقع أن نسميها توليفة للاتجاهين. فهذه الرواية الواقعية في أساسها تزخر بالتقاليد الرومانتيكية. ومن هذا المزيج وُلدتْ واقعية سحرية نادرة تثير الحيرة في نفوس المعاصرين.
وما يميز هذه الرواية ويسبب تفرُّدَها هو الفكرة الواقعية المحضة، التي عبَّرتْ عنها عبْر الرَّمزية الرومانتيكية حتى اسم البطل الرئيسي هيثكليف يعني: القمة التي ينمو عليها الخلنج ومرتفعات ويذرينج هي المرتفعات التي تعصف بها الريح . وقد قال الناقد ف. وولف: "أبطال إميلي برونتي لا يقولون ببساطة: "أنا أحب" أو "أنا أكره"، بل هم ينادون: نحن أبناء البشر، و أنت أيتها القوى الأبدية.
إن جوهر التراجيديا لدى برونتي مثله لدى شكسبير، وهو أنَّ أبطاله يموتون ليس موتاً جسدياً، بل أَّنَّ ما هو إنساني ومثالي في داخلهم يتزعزع. وها هو هيثكليف يعانق كاترين وهي تلفظ أنفساها وبدل أن يخفِّف من ألمها ويواسيها فإنه يصرخ في وجهها بالحقيقة المرة: لماذا خُنْتِ قلبكِ يا كاترين؟ ليس لدي كلمات أواسيك بها. أنت تستحقين ما يحدث لك. أنت أحببتِني فبأيِّ حق تركتِني؟ أجيبي بأي حق! لست أنا من حطَّم قلبكِ أنتِ فعلتِ ذلك بنفسكِ، وإذ حطَّمتِه فقد حطمتِ قلبي أيضا. وأسوأ ما في الأمر إني متين البنية. كيف سأتحمَّل الحياة؟ وأي حياة هذه عندما لا تكونين موجودة .. يا إلهي! هل كنتِ سترغبين في الحياة إذا كانت روحك تسكن القبر؟.
في سطور الرواية الأخيرة يأتينا المشهد التالي معبراً عن أعقد فلسفة في الوجود وهي الحياة و الموت بكلمات بسيطة و سلسة فتقول إميلي برونتي:
كان القبر الاوسط رمادي اللون تغطي معظمه بالنباتات البرية وكان قبر ادجار مغطى بالعشب فقط اما قبر هيثكليف فمايزال أجرد. و تنتهي الرواية بتساؤل الكاتبة الأخير الذي طالما جال في خواطرنا و عقولنا كيف يتخيل اى شخص عدم الراحة للنائمين تحت هذا التراب الهادىء؟
الرواية في المجمل هي تلك المشاعر الإنسانية التي تتكرر علينا على مر العصور و لا نتعلم منها، لتجنب السيىء منها أو التماس الحسن منها، مشاعرنا التي تسير وفق جموحنا دون قيد و لا رادع لها قد يضبطها خلقنا و الواجب المحتم فوق كاهلنا، وقد يثير شغفنا أحيانا ان تظل جامحة و في كلتا الحالتين لها ثمن يتحمله صاحبها .
المؤلفة: إميلي برونتي
دار النشر : الهيئة المصرية العامة للكتاب
عدد الصفحات :367 صفحة
تقديم : نرمين عبد العزيز
أخاف؟ كلا ! أنا لا أخاف الموت ولا آمل فيه و لماذا أخشاه ؟ فبقوتي و طريقة حياتي الصحية يجب أن أبقى على هذة الأرض لآخر شعرة سوداء في رأسي ! إن لدى رغبة واحدة و كياني كله شغوف لتحقيقها ! أنا متأكد بأنهاستحقق و قريبا لأنها أتت على وجودي آه يا الهي إنه صراع طويل أتمنى أن ينتهي!
كلمات على لسان هيثكليف بطل الرواية
مرتفعات ويذرينج رواية المشاعر المتناقضة تجعلك تحب و تمقت تتعاطف و تقسو تتحير في إطلاق أحكامك نحو شخصيات الرواية وقد تجعل المشاعر تنتفض من مكانها على اختلاف المواقف وتأثيرها .
جاءني هاجسا بأن تكون الترجمة بخست من حق الكاتبة إميلي برونتي ولم تأت بمقصد الكاتبة بالفعل ، و قد جاء استنتاجي نتيجة بأن سرد الرواية جاء معتمداً على ظواهر ردود أفعال الشخصيات، فلم تتعمق في وصف دواخل نفسية الشخصيات ولم تلعب الكاتبة دور الرواي بقدر أنها جعلت ردود أفعال اابطالها تتحدث عن نفسها .
هيثكليف هو شخصية المحورية جاء غريباً عن العائلة لتبدأ وتنتهي به الرواية، فتنسج الأحداث حوله بخيوطها و ثم تبدأ بفك العقد و الحبكات أيضا من خلاله، تتلخص الرواية في طفل لقيط يدعى هيثكليف يجلبه رب الأسرة السيد ايرنشو معه من إحدى أسفاره من ليفربول ، فيثير هذا الطفل تعاطف وحنان البعض و قلق البعض الآخر و حنقه ومن هنا يبدأ الاختلاف بين كلا الفريقين.
فمن يحب و يتعاطف مع هيثكليف يعيش الصراع في الوقوف في المنطقة الوسطى كما فعلت كاترين الأولى و الذي يتوجس منه يزيد من غيرته و كراهيته فيظهر قسوته و من هنا يبدأ تكوين شخصية هيثكليف سيكوباتيا فتصرعه رغبة الانتقام تابعة لهوى نفسه المكتظة بكم من الكراهية لمن قسى عليه لجعله في وضع متدن وهي ايضا نفسه و روحه التواقة للحب و العطف الذي افتقده من البعض فمنعه من تحقيق سعادته و راحة باله.
قد يحير خط سير أحداث الرواية بين الواقعية في أحداثها و الصدامية من جهة أخري فنجد قرار كاترين الأولى من موافقتها الزواج من إدجار المنتمي لوسطها الاجتماعي منطقيا من الناحية الشكلية و صادما لانسحابها من دعم من أحبته منذ الصغر و هو هيثكليف، و هذا الحدث قد أثر في قرارات و أفعال هيثكليف الذي بات لآخر لحظة في حياته منتقما يحطم كل من يمت صلة بأدجار و عائلته ، فأخد قرار زواجه بايزابيلا شقيقة إدجار معتمدا علي جذبها اليه بقدرة الحب الأعمى الذي يضمحل و يندثر أمامة منطق التفكير العقلي ليطلق عينها عليه و يعلق قلبها به فتحسم الأمور تبعا لهواها به فقط فيصل هيثكليف الي مأربه لتتكسر مجاديف هذة العائلة أثناء ملاطمتها أمواج الحياة و تتوالي أحداث الرواية
كاتي الثانية هي الشخصية التي بعثت روح الحياة للرواية التي وقفت مقاومة لشخصيات الرواية المهزوزة المتناحرة التي خلقها هيثكليف، من أجل غرضه للإنتقام لهذة العائلة و قد وقفت مقاومة لأهواء هيثكليف التدميرية و قد استقامت بفضلها شخصيات الرواية، و قد تمثل أيضا نموذج المرأة الحلم الذي يبحث عنها الرجل ليس لتؤنسه فقط بل لتصير دليله و تحتويه ليستعيد كينونته الإنسانية من وحشته الضائعة.
الرواية كتبتها إميلي برونتي و هي الرواية الوحيدة قبل وفاتها بعام ، إميلي لم تكن تتميز بطبع اجتماعي ولم تكن سهلة المعاشرة وربما لهذا لم تكن لديها صديقات أبداً، على عكس أختيها، أما عن الحب والرجل فهذا عالم آخر لا تعرفه أو هو ينتمي إلى ألم الحرمان الداخلي؟ كان طبعها شديد التناقض فهي أحياناً حادة, عنيدة، متشبِّثة ومتعصِّبة لآرائها، وفي نفس الوقت كانت شديدة التحمُّل مع أولئك الذين تحبهم ومتفانية في العطاء والإثرة. كانت تضع الواجب فوق كل شيء. فها هي بعد موت خالتها التي قامت بالإشراف على تربية أبناء أختها تغادر بروكسل غير أسفة وتعود إلى بيت أهلها للإشراف على والدها الذي بدأ يفقد بصره بالتدريج، وتشرف على رعاية أخيها الرجل الفاشل الذي أدمن الكحول وبدأ يتعلق بالأفيون، بالإضافة إلى إصابته بداء السِّل .. تقوم بكل هذا بإخلاص وتفان، وهي ستقف بجانب أخيها في لحظاته الأخيرة وتساعده على النهوض من الفراش لأنه أراد أن يلقى موته واقفا على قدميه.
و جاء رأى النقاد في الرواية متخبط بين إنتمائها إلى الاتجاه الرومانتيكي أم الواقعي؟فهذه الرواية لا تنسجم تماماً مع أي منهما, وقد يكون الأقرب للواقع أن نسميها توليفة للاتجاهين. فهذه الرواية الواقعية في أساسها تزخر بالتقاليد الرومانتيكية. ومن هذا المزيج وُلدتْ واقعية سحرية نادرة تثير الحيرة في نفوس المعاصرين.
وما يميز هذه الرواية ويسبب تفرُّدَها هو الفكرة الواقعية المحضة، التي عبَّرتْ عنها عبْر الرَّمزية الرومانتيكية حتى اسم البطل الرئيسي هيثكليف يعني: القمة التي ينمو عليها الخلنج ومرتفعات ويذرينج هي المرتفعات التي تعصف بها الريح . وقد قال الناقد ف. وولف: "أبطال إميلي برونتي لا يقولون ببساطة: "أنا أحب" أو "أنا أكره"، بل هم ينادون: نحن أبناء البشر، و أنت أيتها القوى الأبدية.
إن جوهر التراجيديا لدى برونتي مثله لدى شكسبير، وهو أنَّ أبطاله يموتون ليس موتاً جسدياً، بل أَّنَّ ما هو إنساني ومثالي في داخلهم يتزعزع. وها هو هيثكليف يعانق كاترين وهي تلفظ أنفساها وبدل أن يخفِّف من ألمها ويواسيها فإنه يصرخ في وجهها بالحقيقة المرة: لماذا خُنْتِ قلبكِ يا كاترين؟ ليس لدي كلمات أواسيك بها. أنت تستحقين ما يحدث لك. أنت أحببتِني فبأيِّ حق تركتِني؟ أجيبي بأي حق! لست أنا من حطَّم قلبكِ أنتِ فعلتِ ذلك بنفسكِ، وإذ حطَّمتِه فقد حطمتِ قلبي أيضا. وأسوأ ما في الأمر إني متين البنية. كيف سأتحمَّل الحياة؟ وأي حياة هذه عندما لا تكونين موجودة .. يا إلهي! هل كنتِ سترغبين في الحياة إذا كانت روحك تسكن القبر؟.
في سطور الرواية الأخيرة يأتينا المشهد التالي معبراً عن أعقد فلسفة في الوجود وهي الحياة و الموت بكلمات بسيطة و سلسة فتقول إميلي برونتي:
كان القبر الاوسط رمادي اللون تغطي معظمه بالنباتات البرية وكان قبر ادجار مغطى بالعشب فقط اما قبر هيثكليف فمايزال أجرد. و تنتهي الرواية بتساؤل الكاتبة الأخير الذي طالما جال في خواطرنا و عقولنا كيف يتخيل اى شخص عدم الراحة للنائمين تحت هذا التراب الهادىء؟
الرواية في المجمل هي تلك المشاعر الإنسانية التي تتكرر علينا على مر العصور و لا نتعلم منها، لتجنب السيىء منها أو التماس الحسن منها، مشاعرنا التي تسير وفق جموحنا دون قيد و لا رادع لها قد يضبطها خلقنا و الواجب المحتم فوق كاهلنا، وقد يثير شغفنا أحيانا ان تظل جامحة و في كلتا الحالتين لها ثمن يتحمله صاحبها .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق