الخميس، 12 أبريل 2012

تعليقي لكتاب اسطنبول الذكريات و المدينة


الكتاب نموذج عظيم للسيرة الذاتية ولكننى نظرت اليه من زاوية اخرى من حيث انها ايضا مسيرة حياة كانت بها تخطيط لبناء وصناعة مبدع فى مجال ما وقد اهلته بيئته و اهتماماته وعائلته ليصبح ذو شأن ولكن اصابه الحيرة والضياع فى بلد ضاع بين الاصولية والتغريب فأضحى يعيش فى الاذواجية  بين حبه لفن الرسم واضطراره لدراسة المعمار ومن جهة اخرى بين نمطه التقليدى فى الحياة و مجاراته للفكر التغريبى الاوروبى التى تحاكيه اسطنبول وبتحليلاته  وتأملاته صنع هنا سيرته الذاتية وهنا عبرت هذة الجملة عن مضمون الكتاب  
 
هل سر اسطنبول هو ان تعيش الفقر  الى جانب التاريخ العظيم ومقابل كل هذا الانفتاح على التاثيرات الخارجية  فيما تنبنى الحياة اليومية على علاقات مهلهلة لكن اى قول بشأن خصوصيات المدينة العامة وروحها وجوهرها يتحول الى حديث حول حياتنا ووضعنا النفسى ليس للمدينة مركز غيرنا
 
 
  فعبر قراءاتى فى كتاب اسطنبول الذكريات والمدينة شعرت باننى لست بمفردى فى هذا العالم تداعبنى خيالاتى فهناك من شاركنى فيها من قبل وجودى فى الدنيا وتتوارد عليه نفس خواطرى و تساؤلاتى الا انه تغلب على كتمانها و صنع منها ابداعا رائعا  لكن القدر  اجبر اورهان باموق ليعيش تحت وطأة احداث الحياة بالجبر دون الخيار وتفاعل معها ولم يتمالك الا ان يطلق مخيالاته لتتجاوز حدود الفكر فنزعت من الاندهاش الى الاستفسار منها الى الاستكشاف فعاش كانسان عادى يحاول تفسير ما حوله يتامل الارض بابنيتها وازقتها و بحرها وجوها و يشعر بمسحة الحزن العالقة بها فيلخصه بانه بسبب عدم قرب كاف من الله و فقدان ناجم عن انهيار الدولة العثمانية وانعكاسه على الناس والمدينة وعلى رغم من ذلك الا ان الاسطنبوليين مازلوا متعلقين بهذه الجثة الممتدة فتمنحهم شاعرية ووقارا
 
ولا نستطيع ان نرى اسطنبول الجديدة دون ان نذكركلمة تأتى دائما مرادفة معها وهى العلمانية ولم يترك اورهان هذة الكلمة تمر دون ان يذكرنا  ويفسرها لنا عبر كتابه  ان كنت اراها جرأة بانه وصف نظرتة الطفولية نحو الدين وتصوره لشكل الاله وأخذنا الى فكرة ان الدين للفقراء وهم اولى بالعبادة والتقرب لشظف عيشهم وكأن الغنى له الحق فى التكبر والاستغناء بماله وسعة عيشه وهى فكرة يمكن ان تتوارى فى العقل الباطن وتظهرمن خلال افعال كتير من الناس وكذلك اتخاذ الدين كعادة من العادات ومظهر خارجى على سبيل التعود دون الالتزام بالعبادة وطقوسها وذلك نتيجة للفكر الذى غرسه اتاتورك
 
ينتقل الكاتب فى الفصول الاخيرة بالكتاب ليروى قصة حبه لفتاته واندماجه بالرسم ليرسمها وحلمه الذى ضاع اثر صعوبة ان يرضى اهلها بان يتركوها ترتبط بفنان فى بلد فقير يداهن الفنانين ويستهين بهم وبالتالى تاتى محاواراته مع امه ترسخ فى فكره ان الرسام تعيس اذا ظل فنانا فقط بعكس من يكن لديه مهنة تمنحه ثقة وتكسبه نقودا فيستطيع ان يمارس الرسم ويستمتع به فلا يضطر الى الاستغناء عن قيمه ومبادئه فينافق الاغنياء ليبيع لوحاته ليحصل على لقمة عيشه فيغدو قلقا ومعقدا مما يجعل الاخرون يدفعون نقودا شفقة كانهم يستهينون بما الت عليه حاله
 وبذلك استطاع اورهان باموق ان يتغلب على تخبطه بين عالمه الاول المتعايش مع الحياة و عالمه الثانى الذى يستمتع به عبر خطوط يديه الذى يشعر فيه بحريته الذاتية فاستطاع ان يفطن الى حقيقة ان الاستغراق فى مرسمه وتخيل عالم مثالى لا يجدى دون ان يحتك بالعالم الاول ويحاكيه فيحاول بقيمه وافكاره الناضجة ان يعلى قيما واهدافا تستقيم بها حياة الناس و يهدم افكارا تزحزح الاخلاق و الاصالة

وان كانت هذة السيرة الذاتية الخاصه بكاتب عبر من خلالها عن كيفيه تشكيل نفسيته وذاكرته  ونمطه الانسانى والحياتى وحمل وطنه جزءا كبيرا من معاناته وتخبطاته الا ان  سرحصول باموق لجائزة نوبل جاء بسبب  اقتحامه ببساطة اسلوب حياتنا واستطاع عن يعبر عن دواخلنا من خلال نفسيته فاصبحت حياتنا هى حياته ووطنه هو وطننا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق