عن المؤلف: الدكتور يوسف زيدان باحث ومفكر مصري مواليد سوهاج 1958 متخصص في التراث العربي المخطوط وعلومه. له عديد من المؤلفات والأبحاث العلمية في الفكر الإسلامي والتصوف وتاريخ الطب العربي. وله إسهام أدبي يتمثل في أعمال روائية منشورة رواية ظل الأفعى ورواية عزازيل و مؤخرا رواية النبطى.
بلورة افكار كتاب اللاهوت العربى للدكتور يوسف زيدان اللاهوت العربى من الكتب التى حطمت فكر الأوهام التى تعلق فى أذهاننا على أنها بديهيات مفروضة و علينا تقبلها ، و قد أرى أن هذا الكتاب جاء محذرا من أن كتمان و كبت تباحث العلاقات الجدلية الخلافية سيولد إنفجارا عنيفا قد يدمرنا و نفقد السيطرة عليه، وهو ما نحن بصدده الآن من تعقد الوضع الحالى بين قطبى الأمةالمصرية المسيحى و المسلم نبدأ بوعى الكاتب بفكرة بتناوله فكرة الإمتداد التراثى الواصل بين الأديان الثلاثة و أنها مرحلة تاريخية من تراث مصر لابد من دراستها لأن بدونها لا نسنطيع فهم بقية المراحل.
الديانات الثلاثة واحدة في جوهرها و ظهرت بتجلياتها الكبرى التي تحفل بها كل ديانة فبدأت المسيحية بإعتبارها امتدادا لليهودية، و كذلك القرآن قدمهم على إعتبار أنها ذرية بعضها من بعض و بأن هناك طابع عائلى للنبوة و الأنبياء فالمعبود واحد مع تعدد المذاهب و الفرق فى الديانات الثلاثة. جاء الاسلام متشبكا مع الواقع المحيط ومرتبطا به فتعرض لتفاصيل الواقع السائد في عبادة الاوثان و فى اليهودية و المسيحية، وشارك فى الأطروحات العقائدية لأنه اليقين الموحى به من رب العالمين و قدم حلولا بأن أعاد بناء التصورات الأساسية للألوهية و النبوة. أطاح الكاتب بأن فكرة ظاهرة علم الكلام جديدة فى الفكر الإسلامى، لكنه عرضها على أنها ممتدة ووليدة الإمتداد المكانى الجغرافى بمنطقة الشام و العراق و لها السبق الزمنى و هى مسألة الصفات الآلهية التى شغلت الأذهان قبل وصول الإسلام، و قد نشأت مع اليهودية و نصوصها ثم اجتهدت المسيحية فى حلها عبر اتجاهات و مذاهب فجاء الإسلام معترفا بالديانتين فتوارثوا علم الاهوت أو الكلام، فهذا يعنى أن بداية هذا العلم كانت عربية ليست إسلامية و كان مدونا باليونانية و السريانية ثم العربية ومن خلال هذا التحليل الذى ابتدعه الكاتب جاء طرح المفهوم الجديد اللاهوت العربى بإعتبار ان الكلام و اللاهوت هما وجهان لعملة واحدة، ، لذلك وجد الكاتب أن يدعو إلى كل من المشتغلين فى اللاهوت المسيحى و علم الكلام الاسلامى أن ينظر كل منهما لعلوم الآخر لإزياد الإستنارة و دراسة الإمتداد التراثى بينهما الذى انبثقت منه مذاهب كلامية. المتمعن فى قراءة كتابات الدكتور يوسف زيدان على دراية أنه يكتب بناءا على تجريد الافكار المطروحة و تحليلها تفصيليا ليصل إلى أصلها و منشئها ليضعنا أمام حقيقتها العارية، فلذلك يغوص الكاتب فى كتابه ذو السبع فصول يبدأ ببعض النقاط الاستهلالية لتبيان مدى التواصل بين تراث الديانتين الكبيرتين : المسيحية و الإسلام ويؤكد ان تراث الديانات الثلاثة كما يرى ديانة واحدة ذات تجليات ثلاثة ثم ينتقل إلى جذور الإشكال فى التوراة و يعرض بعدها الحل المسيحى و اختلاف فهم الديانة وجدل الهراطقة شرقا (فلسطين و البلاد المحيطة) وغربا (مصر و اليونان القديمة) ثم الاتجاة إلى الحل القرآنى بإعادة بناء تصوراته وعلم كلام الإسلامى، فالكاتب يخترق الوقائع الظاهرة ليصل إلى بواطنها السحيقة الوعرة، فمن خلال طرحى لعرض كتاب اللاهوت العربى سأكتفى بأن يكون إضاءة خافتة لمضمون الكتاب وأفكاره. و لأعرض فكر الكاتب وجب عليا اقتباس هذة الفقرة التالية فى أطروحته التى نحن بصددها فقد قال معبرا عن وصف كتابه: فإن هذا الكتاب وضع بشكل عام للمهتمين بالدين و السياسة، وبشكل أعم للقارىء الواعى المنشغل بارتباط الدين بالعنف و بالسياسة، شريطة أن يكون هذا القارىء غير كسول، وغيرمعتاد على تلقى الإجابات الجاهزة عن الأسئلة النمطية. وكعادة يوسف زيدان يثير القضايا الشائكة بتعمقه داخل اللفظ إلى ما وراء الأحداث و التاريخ، فجاء بوصف سماوية الدين و بأن كل دين يعتبر معتنقوه بأنه سماوى لأنهم يتعالون به عن المحسوسات إلى التسامى السماوى و الأصح أن نقول على الديانات الثلاثة ديانات رسولية أو رسالية. ففى العقيدة التوراتية ظهرت صفات الألوهية ملتصقة بالأرض لا السماء مع أنه ينتمى إلى السماء و أن اللهمخصوص ببنى إسرائيل و اليهود دون غيره من البشر، فالنصوص التوراتية مستهينة بحقوق البشر من غير اليهود و انقلبت منظومة القيم الانسانية و أباح القتل و الزنا و إقتراف المحرمات باسم الرب وظل اليهود قرنين من الزمان فى انتظار الوعد الذى اعطاه الله لأبى الأنبياء إبراهيم (لنسلك يا إبراهيم أعطى هذة الارض من النهر الفرات الى النهر الكبير نهر مصر)، و لايتم الإيمان اليهودى إلا إنطلاقا من هذة الأية التى طالما داعبت خيال اليهود حتى نجح حلم إقامة دولة إسرائيل التى هى أولى بشارات هذا الوعد الإلهى و جعلت اليهودية كتبها أسفار موسى الخمسة المعروفة بالتوراة تحت إسم جامع هو العهد القديم تمييزا عن مجموعة الأناجيل و إعمال الرسل المعروفة باسم العهد الجديد، و قدمت المسيحية حلا بأن يكون وجود الله مع الإنسان فى الأرض ثم رفعته إلى السماء و جاء المسيح للتخلص من اندماج الله مع الانسان و هو بالمفهوم المسيحى الخلاص الإنسانى من الخطيئة الأولى التى اقترفتها آدم وورثها لأبناؤه. كان يسوع المسيح فى بدء دعواه يقول لم أرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة تأكيد أنه امتداد لليهودية و أنه يعنى بأبناء الرب دون بقية الناس، و كان الخلاف المسيحى حول ماهية المسيح أو طبيعته هل هو بشر نبى جاء بالبشارة أم هو الله بذاته نزل إلى الأرض حينا ثم عاد ثانية إلى السماء، وقد احتدم هذا الصراع و صار بأيدى الناس أناجيل كثيرة إلى أن حسم هذا الصراع فصارالمسيح هو الديانة ذاتها و أصبح معادلا موضوعيا لله و لم تعد المشكلة اليهودية حول صفات الله مطروحة إنما صار الإيمان بالمسيح الذى هو الله و التشكيك فى ألوهيته يعنى الكفر. من أرض فلسطين بدأ انتشار المسيحية شرقا و غربا فكان الحال فى منطقة الشرق من فلسطين مختلفا عن منطقة الغرب، حيث كانت مصر و اليونان القديمة فقد كان للعقلية الجمعية للمصريين و اليونانيين القدماء حيث الأرض الخضراء و الأنهار المنتظمة الفيضان و الشعور بأن الآلهة قريبة من البشر ثقافة دينية تعترف بأنصاف الآلهة و بالبشر الذين تحدوا الأرباب أو تحدوا معهم فخلدهم الناس و أقاموا لهم المعابد لإظهار التقديس لهم. إنما العقلية العربية فى منطقة الهلال الخصيب الشام و العراق اختلفت، فهى لاتقبل فكرة الإمتزاج و التداخل بين الآلهة و البشر و تعتقد بوجود كائنات وسيطة بين العالمين الإلهى و البشرى كالجن و العفاريت و الكهان و الملهمين، وهى لعقلية من يعيش بالصحراوات الشاسعة و الأسفار الطويلة و الحروب الداخلية و الدولية و الخوف من المجهول الكامن فى الغيب و على أساس هذة الاختلافات دارت المساجلات حول موضوع واحد يدور جوهره حول المسيح و طبيعته فأدرك الناس أنه لابد من الاختلال و اختلاف العقائد ما بين صيغ الايمان المتعددة، و التقاليد الموروثة و أنهار الدم المتدفقة و نزل القران فى القرن السابع الميلادى. جاء الاسلام متشبكا مع الواقع المحيط ومرتبطا به فتعرض لتفاصيل الواقع السائد في عبادة الاوثان و فى اليهودية و المسيحية، وشارك فى الأطروحات العقائدية لأنه اليقين الموحى به من رب العالمين و قدم حلولا بأن أعاد بناء التصورات الأساسية للألوهية و النبوة. فجاءت النبوة إصطفاء إلهى من فرع بشرى عبرانى من أبو الانبياء إبراهيم و إشارت الآيات القرانية إلى إمكان ظهور النبوة فى العرب واختلفت السور القرانية فآدم فى القرآن الإنسان الذى اخطأ وعصى و أدرك خطأه وتاب أمام الله بمعونة من الله و ليس ثمة خطية أزلية ارتكبها آدم وورثها من بعده بنوه لأنهم لم يشهدوا الخلق الأول و لم يعصوا الأمر الآلهى فلا تجوز محاسبتهم. مريم فى القرآن ليست أم النور الحقيقى، إنما فقد وهبتها أمها لله فارسل لها الله روح القدس أو الروح الأمين فأوصل جبريل النفخة الآهية الخالقة إلى مريم فحملت عيسى، وهكذا أبعد القرآن أى شبهة إتصال مباشر بين الله و الإنسان. لإن العقلية العربية التى نزل فيها القرآن عملية فقد مدهم القرآن بنظام حياتى و لم يكتف بالنص القرآنى، فتحول الدين إلى راية يحاربون تحتها بغرض تأسيس الدولة ومد حدودها فصارت جزيرة العرب دارا للإسلام و غيرها دارا للحرب، إلى أن تفتح وحين فتحت البلاد المحيطة شهدت المناطق المحيطة تحولات إمتدت خلالها الأفكار و الرؤى التى كانت فى الزمن المسيحى لاهوتا، ثم صارت تسمى فى الزمن الإسلامى كلاما. فعلى الأرض ذاتها وأهلها أنفسهم حيث شهدنا نشأة وتطور اللاهوت العربى المسيحى الذى امتداده نشأة وتطور علم الكلام الإسلامى، كانت الأولى نمط تفكير، وكانت الثانية نمط تفكير ولغة أزاحت السريانية و اليونانية و نطقت بالعربية. |